أجدد المواضيع:

المادة: فلسفة.
النشاط: درس نظري.
الموضوع: الحق و الواجب و العدل.

أـ الوضعية المشكلة:  تأمل الحوار التالي الذي دار بين أب و إبنه.

الأب: يا بني اخفض من صوت المذياع لأنك بهذا تؤذي جارنا
الابن: لكن يا أبي أليس من حقي سماع صوت المذياع كما أشاء؟
الأب: ولكن أين حق الجار هنا؟ فمن واجبك احترام.
الابن: أفهم من قولك أنه ينبغي أداء الواجب ثم المطالبة بالحقوق.
الأب: نعم.
الابن: لكن لماذا أنتظر حتى تؤدى حقوقي؟ منه أقوم بواجبي.
ـ  تدل الوضعية على وجود حوار بين الأب و ابنه حول موضوع الحقوق و الواجبات.
كان رأي الأب أن الواجب أسبق من الحق، أما رأي الابن فهو أن الحقوق أسبق من الواجبات.

Philosophy

إذن من أجل إبداء الرأي ينبغي طرح الأسئلة التالية:

1ـ ما مفهوم الحق و الواجب و العدل؟
2ـ ما هي أنواع الحقوق و الواجبات؟ ومن هو الأسبق الحق أم الواجب؟
وهل تحقيق العدالة يكمن في المساوات أم في التفاوت؟

أـ عناصر الدرس:

1ـ مفهوم العدل و صلته بالحق و الواجبات.

أـ مفهوم العدل: يعرف العدل بأنه إعطاء لكل حق حقه.

لهذا فالعدل قيمة أخلاقية يقوم على تحديد المبادئ و القواعد العامة للإعتدال و التوازن و الاستقامة على مستوى الأفراد و الجماعة.
والعدالة في جوهرها و صورتها النهائية حق وواجب لأن امتلاك الحقوق و أداء الةاجبات يمثل جوهر العدالة و صورتها العملية التطبيقية .

ب ـ الحق:

ـ 1ـ لغة: و هو الأمر الثابت الذي لا يمكن إنكاره.
2ـ إصطلاحا: و هو مجموع ما يخوله القانون للفرد من مكاسب مادية و معنوية و يمكنه الدفاع عنها و المطالبة بها.

ـ أنواع الحقوق:

أـ الحقوق الطبيعية:

و هي الحقوق اللازمة للإنسان من حيث هو الإنسان، وهي حقوق تتميز بالثبات والعمومية كالحق في الحياة والتفكير والعدل...إلخ.
وهذه الحقوق الطبيعية هي أصل كل الحقوق لأنها حقوق ذاتية تعمل على حمايتها كل القوانين الشرعية والموضوعية بدون إستثناء.

ب ـ الحقوق المدنية:

وهي الحقوق التي تظهر في المدينة، وما تتميز به من تداخل العلاقات و تشابك المصالح و الوظائف الاجتماعية و هذا يقتتضي وضع قوانين تنظم شؤون الجماعة وتسير أمورها مثل: (حق التعلم، الحق في العمل، الحق في الملكية ...الخ). وهذه الحقوق المدنية تعتبر حقوق مرنة وغير ثابتة تساير الأوضاع والظروف الاجتماعية والمتغيرة  تتكيف معها وهي امتداد للحقوق الطبيعية.

- العلاقة التداخلية بين الحقوق الطبيعية والحقوق المدنية هي أن الأولى أصل والثانية فرع، بمعنى أن الحقوق المدنية امتداد ومستخلصة من الحقوق الطبيعية.
- بين حقوق الفرد والمجتمع: يرى أصحاب النزعة الفردية أن الحقوق الفردية أسبق من الجماعية لأن وجود الفرد أسبق من وجود الجماعة ومن هنا كان أساس الحقوق غايتها هو الفرد، وما الجماعة إلا مجرد تنظيم للعلاقات يسمح بممارسة الحقوق وتوجيهها دون طغيان أو تعدي.
- حقوق الجماعة: يرى أصحاب النزعة الاجتماعية أن الحقوق ليست من عمل الأفراد بل الجماعات لأن الحقوق مرتبطة بالمجتمع و التنظيم الاجتماعي ، لهذا نجد لكل مجتمع حقوقه و قوانينه التي تنظم علاقاته بين أفراده ، كما أن الحقوق مرتبطة بالقانون والقانون من وضع الجماعة لتراعي به مصالحها.
النتيجة: المشكلة بين النزعتين الفردية والاجتماعية تقبل الموقفين معا، لان الحقوق مصدرها فردي وممارستها أمر اجتماعي فمثلا حق الملكية حق فردي لكن يكفله المجتمع.

مفهوم الواجب:

لغة: اللازم و الضروري.
اصطلاحا: وهو إلزام محدد يتعلق بموقف إنساني أو ظروف اجتماعية معينة كواجب الموظف على أداء عمله.

أنواع الواجبات:

أـ الواجب الأخلاقي:

وهو مجموعة الإلزامات الوجدانية النابعة من ضمائرنا وهي مبنية على فكرة الخير والشر كمعاني أخلاقية تحدد ما يجب فعله أو اجتنابه مثل الإحسان وهو بذل النفس والعفة.

ب ـ الواجب القانوني:

ويتمثل في مجموع الواجبات والإلزامات المفروضة علينا والملزمة لنا بتشريع صحيح تضعه السلطة الاجتماعية  أو السلطة الإلهية لتحقيق المصلحة العامة فإذن فهي واجبات تخضع لضوابط وقواعد قانونية تحدد الواجبات ومن تقع عليه.

- بين أولوية الحق و الواجب:

أـ الحق أسبق من الواجب:

إن تطبيق العدالة وممارستها والتعبير عنها والشعوربها من طرف الأفراد في الواقع لا يكون إلا من خلال تقديم الحقوق والمكاسب لكل فرد على الواجبات التي يلتزمون بها لأن الحقوق مرتبطة بالوجود الإنساني وهي ملازمة للطبيعة البشرية كالحق في الحياة والتفكير ...الخ  وهي حقوق لا تستقيم حياة الإنسان إلا بها.

لهذا يؤكد فلاسفة القانون الطبيعي أو أنصار النزعة الإنسانية وفلاسفة التنوير أمثال : "جون جاك روسو" و "جون لوك" أن العدالة الاجتماعية تقتضي تقديم الحق (الطبيعي) وأن سلطة الدولة مقيدة بضمان حقوق الأفراد كما أن الثورتين الفرنسية والأمريكية قامتا على مبادئ حقوقية وهو ما أثمر ظهور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تقول مادته الأولى :(يولد جميع الناس أحرارا و متساوين في الكرامة و الحقوق، وقد وهبوا العقل و الضمي، و عليهو أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء).

النقد:

لكن تأسيس العدالة بإقرار الحقوق أولا يفتح الباب أمام ظهور نزوات الأنانية وإرضاء الميول الغريزية وإلى إخلال التوازن العام للحياة.

ب ـ الواجب أسبق من الحق:

فالواجب هو معيار العدالة لأن الواجب مطلب عقلي يقتضيه العقل وضرورة عقلية تتجاوز منطق المصلحة والمنفعة والذاتية إلى مستوى الالتزام بالقانون وما يفرضه من تضحية للحقوق فمثاله الجندي الذي يقدم حياته فداءا للوطن بدافع الواجب دون النظر إلى فقدانه لأهم حقوقه ألا وهو الحق في الحياة وإتقان العمل واجب دون النظر إلى الأجر والثناء من أحد كما أكد على ذلك الفيلسوف : "إيمانويل كانط" كما رأى :"أوغست كونت" أنه يمكن الاستغناء عن فكرة الحقوق والاكتفاء بالواجبات لأنها متضمنة فيها، فحقوق شخص ما هي ليست واجبات شخص آخر، ولو قام الجميع بواجباته نحو غيره لتحققت حقوق الجميع.

النقد:

غير أن هذا المبدأ الذي يؤسس العدالة على مبدأ الواجبات فقط يجعل من العدالة عرجاء ويسيئ إلى الحياة الاجتماعية لأنه يصير ذريعة للظلم والإستغلال باسم الواجبات.

النتيجة: العدالة المثلى تتأسس على إقرار التعادل والتوازن بين الحقوق والواجبات.

- هل تأسس العدالة على المساواة أم التفاوت؟

أـ العدالة في المساواة:

يرى أنصار المساواة أن العدالة تتأسس على مبدأ المساواة فبدونها يشيع الظلم والتمييز والاستغلال وعدم التوازن، وهذا ما دافع عنه فلاسفة التنوير وأصحاب الفلسفة الماركسية الاشتراكية، لهذا يؤكد فلاسفة القانون الطبيعي أن قرار مبدأ المساواة إنما تقتضيه الطبيعة المشتركة لكل فرد مع غيره وقد قال قديما الخطيب اليوناني: "شيشرون" ( الناس سواء بسواء، وليس شيء أشبه بشيء من الإنسان بالإنسان، لنا جميع عقل ولنا حواس وإن اختلفنا في العلم ) ويقول:   "أميل شارتي" ( العدالة هي معاملة الناس بالمساواة) وفي هذا الإطار يقول: "آلان" ( لقد ابتكر الحق ضد اللاّمساواة ، والقوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية...أما أولئك الذين يقولون إن اللاّمساواة هي من طبيعة الأشياء فهم يقولون قولا بئيسا ) ويقول أيضا المفكر الأمريكي: "توماس جيفرسون" ( إن جميع الناس قد خلقوا متساوين) لهذا يؤكد أنصار المساواة أن الحديث عن التفاوت كمبدأ للعدالة لهو تكريس للظلم و الطبقية التي سادت عصور الظلام.

النقد:

غير أن أنصار المساواة أهملوا دور الفروق الفردية وهذا يتعارض مع الطبيعة البشرية، لأن الأفراد يتفاوتون في القدرات والمواهب مما يقتضي إقرار التفاوت بينهم.

ب ـ العدالة في التفاوت:

يرى أنصار التفاوت أن العدالة تقوم على مبدأ التفاوت لأنه قانون تقتضيه الطبيعة البشرية.
الأفراد غير متساوين من حيث القدرات والمواهب والاستعدادات لهذا حاول الكثير من المفكرين والفلاسفة تبرير هذا المبأ والدفاع عنه فمثلا : "أفلاطون" أسس العدالة الاجتماعية على أساس التمايز الطبقي الموضوعي ولكي تبرز العدالة وجب على كل فرد أن يلتزم بطبقته التي ينتمي إليها، كما يؤكد : "أرسطو" أن العدل الحقيقي يكمن في وضع كل فرد في مكانه اللائق به وهذا يقتضي إقرار التفاوت والاعتراف به، كما نجد في الفلسفة الحديثة الفيلسوف الألماني: "نيتشه" الذي يؤكد على أن التفاوت حقيقة واقعة وجب الاعتراف بها والعمل على أساسها، كما سعى في تقسيم المجتمع إلى طبقتين: طبقة السادة، وطبقة العبيد واعتبر: "ماكس شيلر" التفاوت مقياس العدالة وأساسها حيث يقول: ( إن المطالبة بالمساواة المطلقة هي عدالة جائرة ) لأن وراء هذه المطالبة بالمساواة كراهية وحقد وغيرة ورغبة دفينة في خفض نسبة الأفراد المتميزين إلى مستوى الأشخاص الذين هم في أسفل السلم.

النقد:

غير أنه لا يمكن اعتبار كل تفاوت عدل لأنه قد يكون هذا المبدأ مطية وذريعة لتكريس الظلم والاستغلال والطبقية بدون وجه حق بدعوى إقرار التفاوت.

النتيجة:

3ـ النظرية الإسلامية :

فالعدل ليس مساواة مطلقة بين جميع الناس، لأن هناك فروق فردية لا بد من احترامها، وليس تفاوتا مطلقا  حتى لا يكون مطية للإستغلال وعدم احترام كرامة الإنسان لذلك كان لا بد من التأسيس لعدالة تجاوز بين المساواة والتفاوت.

وقد عبّرعن ذلك المفكر المصري: "زكي نجيب محمود" من خلال وصفه للقواعد التي من شأنها أن تكفل العدالة للجميع:

أـ مجال الحقوق: بحيث يعطى لكل ذي حق حقه.
ب ـ مجال القدرات: و تراعى فيها الجدارة و الكفاءة و الجهد و لكل بحسب استحقاقه و قدرته.
ج ـ مجال الحاجات الاجتماعية:  و تراعى فيه المطالب الضرورية للأفراد و ما يحتاجون إليه.

فيكون بذلك التوزيع انطلاقا من الاستحقاق والاحتياج.

الخاتمة:

العدل فضيلة أخلاقية مثالية، ولا يظهر هذا العدل ممارسة و لا تطبيقا إلا من خلال مراعاة التوازن والتعادل بين الحقوق والواجبات وبين المساواة والتفاوت.


بالتوفيق للجميع. 

آراء الزُّوار:

  1. شكرا استاذ على هذا التلخيص ادعي لنا من اجل التفوق


    ردحذف
    الردود
    1. العفو. ربي يوفقك و يوفق الجميع إن شاء الله

      حذف
  2. شكرا استاذ بارك الله فيك ربي يعطيلك صحيحتك ويجازيك في الدنيا و الآخرة و حماك الله من كل الشرور انت و عائلتك

    ردحذف
    الردود
    1. و فيك بارك الله، دائما في الخدمة إن شاء الله

      حذف
  3. شكرا استاذ بارك الله فيك ربي يعطيلك صحيحتك ويجازيك في الدنيا و الآخرة و حماك الله من كل الشرور انت و عائلتك

    ردحذف
    الردود
    1. و فيك بارك الله، دائما في الخدمة إن شاء الله
      آمين أجمعين

      حذف
  4. شكرا استاذ بارك الله فيك ربي يعطيلك صحيحتك ويجازيك في الدنيا و الآخرة

    ردحذف
    الردود
    1. و فيك بارك الله، دائما في الخدمة إن شاء الله

      حذف
  5. شكرا استاذ ربي يحفظك

    ردحذف
    الردود
    1. لا شكر على واجب، دائما في الخدمة و ربي يوفقك

      حذف
  6. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف

إرسال تعليق

إعلان: