أجدد المواضيع:

درس في المُشكلة و الإشكالية للسنة الثانية ثانوي  [آداب و فلسفة- الدرس الثالث]

المُشكلة و الإشكالية

ماذا نعني بالمُشكلة؟

تَسرِدُ رواية " عالم صوفي " لــ " جوستاين غاردر " قصة لطالبة عادت من المدرسة لتجد في صندوق البريد الخاص بها رسالة غريبة، يحمل الظرف اسمها وعنوانها دون أدنى إشارة إلى المُرسِل، وداخل الظرف ورقة كُتِب عليها: "من أنت؟".
هذه الرسالة جعلت صوفي متوترة وفي حيرة من أمرها، وتفكر في السؤال الذي كُتِب على الورقة لتجد له إجابة، وأصبحت الإجابات تبدو أكثر صعوبة ممّا اعتقدت.

في هذه اللحظة صوفي مُنزعجة جدًا لأنها أدركت أنها تجهل الكثير مما كانت تعتقد بأنها تعرفه، وهذا التعارض كشف عن جهلها الخاص، ورغبتها في معرفة المزيد، وهذا الأمر وضعها أمام مُشكلة معرفية: " من أنت؟ ".
تمامًا مثل صوفي: نحن لا نبدأ بالتفكير إلاّ عندما تواجهنا صعوبة؛ أي عندما ندرك تعارضًا بين واقع وفكرة، أو فكرة وفكرة، و يُأَرِقنا ذلك التعارض، فنُحاول التخلص من المُعاناة التي نشأت في أنفسنا بسبب إدراكنا لذلك التعارض.
يُمكن أن نُلخص الوضعية التي واجهت صوفي فيما يلي:

- صوفي تعثر على رسالة غير مألوفة فتندهش من ذلك.
- صوفي تصيبها الحيرة عندما تُباشر التفكير في السُؤال: " من أنت؟ ".
- في محاولتها الوصول إلى إجابة على السؤال، تواجه صوفي صعوبات أكثر تعمقًا وتعقيدًا، فتحاول صوفي التخلي عن التفكير، لكن سُرعان ما يتملكُها الفضول أكثر و تعُود إلى التفكير في السُؤال مرة أُخرى.
هناك نوعان من الصعوبات في حالة صوفي: صعوبات بسيطة و تُسمى مُشكلات، وأُخرى أكثر تعقيدًا وتُسمى إشكاليات. إذًا كيف يُمكن أن نميز بين المُشكلة والإشكالية؟

ماهي المُشكلة؟

1- في الاستخدام العام: قد تُشير كلمة " مُشكِلة " إلى وُجود صعوبة ما أمام موضوع مُعين، وقد تكون هذه الصعوبة غُموضًا في المعنى، وذلك ما عانت منه صوفي في الجواب على السُؤال " من أنتِ؟ "، إذ لم تكن تملك معنًى واضحًا للضمير " أنتِ "، هل يُشير إلى الإسم؟ أم يُشير إلى الجسم؟ أم إلى النفس؟ أو إلى الانتماء الاجتماعي؟

لأن الضمير " أنت "، لا يُستخدم دائما للدلالة على معنى واحد، وإنما يتحدد معناها حسب السياق: مثال ذلك عند القول: " أنت رجل وسيم، أو أنت مُسلم..." فإن الإجابة على السؤال " من أنت؟ " صارت غامضة، وأصبح من الصعب جدًا تحديد الصفة التي يُمكن أن تُسنَد إليه. وصار على الشخص الذي يُسأل من أنت؟ أن يعثُر على جواب صحيح، أو أن يُحدد الجواب المناسب من بين عدة حلول، وذلك ربما لكثرة الحلول.

أما من الناحية اللُغوية: فالمقصود بالمشكلة هو ذلك التشابه أو اختلاط الأمور عليك، وهذا يعني أنه لا وجود لمُشكل إلا بالنسبة لشخص يُدركُ هذا التشابه والتداخل. لذلك فإن لفظ المُشكل تَحَدَدَ من خلال التعريفات السابقة في تشابه الأمور أمام من يطلب التمييز بينها. إلا أن هذا المعنى مُغاير تمامًا للمفهوم الذي يقصده الفلاسفة من وراء لفظ المشكل / المشكلة، أو الإشكال / الإشكالية.

في الاصطلاح الفلسفي:

يُشير مصطلح المشكلة إلى وضعية تعاني فيها الذّات نزاعًا بين طرفين متعارضين. ولقد قدم السيد "مولينو" الاقتراح التالي:
"افترضوا أعمى بالولادة (طفل وُلِد أعمى)، هو الآن راشد، ولقد جرى تعليمه التفريق باللمس بين مُكعب وكرة من معدن واحد ومن الحجم نفسه تقريبًا. لنفترض أن هذا الأعمى صار مُبصرًا، فهل بإمكانه التمييز بين المكعب والكرة دون لمسهما؟ هذه مُشكلة، لأنها تحتمل إجابتين مُتعارضتين:

الجواب الأول: هو أنه يستطيع التمييز بينهما، وأن يُحدد الكرة من المُكعب دون لمسهما.
الجواب الثاني: هو أنه لا يستطيع التمييز بينهما ما لم يلمسهما. وحل هذه المُشكلة يتوقف على تطور طب العيون. لكن قبل ذلك تظل المشكلة قائمة. لذلك فالمُشكلة هي أن الذات عليها أن تميل إلى إحدى الإجابتين، وهي لا تدري إلى أي الإجابتين تميل، فتُصاب بالحيرة والاندهاش.

فالمُشكلة إذا بالنسبة للفلسفة هي: مُعاناة ذاتية لشخص أدرك التعارض بين أفكار و أفكار. وهو الطابع العام للفلسفة كالتعارض بين فكرة إثبات الحرية وفكرة نفيها.

نلاحظ إذن أن: المشكلة في الاصطلاح الفلسفي تنشأ عندما تحصل في النفس معرفتان مُتعارضتان تمام التعارض وتتعلقان بموضوع واحدن واجتماعهما في النفس غير مُستساغ.

لا توجد آراء حول الموضوع :

شاركنا برأيك :

إعلان: