أجدد المواضيع:

محاضرات في تاريخ الحضارات [الجزء الثاني. الأخير]: جامعة محمد بوضياف المسيلة- 2016

تاريخ الحضارات

المصادر المادية للحضارة الإغريقية:

 نشأت في بحر "الإيجا" و انتشرت في شبه جزيرة اليونان و برز العديد من المؤرخين ممن أرخوا للحضارة الإغريقية منهم: 

"هيكاتيوس": ولد سنة 540 ق.م  و هي السنة التي توفي فيها المفكر "طاليس"،  يعتبر من أقدم الجغرافيين في العالم حيث وضع أول خريطة للعالم القديم، كما قدم في كتاباته أوصاف المدن بمنشآتها المعمارية و بفضله تطور علم الجغرافيا، و ما يعاب عليه أن كتاباته مملوءة بالأوهام و الخيال.

"هيروطك": من أشهر المؤرخين اليونانيين عاش بين سنتي 484 – 425 ق.م، اقتبس الكثير من كتابات "هيكاتيوس" تحدث كثيرا عن الحروب اليونانية الفارسية، كما يمكن أن نعتبره من الرحالة الجغرافيين حيث قدم لنا أوصاف جغرافية لبلاد ما بين النهرين و مصر و المغرب القديم (ليبيا).

"ثوكوديداس": كان من العسكريين شارك في الحروب بين مدينة أثينا و إسبرطة . كتاباته تتضمن الصراع الذي كان سائدا في شبه جزيرة اليونان و بحر الإيجا و كانت دقيقة. عاش في القرن 4 ق.م، فذكر لنا في كتاباته أسماء المعارك و الحروب و أسماء قادة الجيش و الأحلاف التي كانت بين الإغريق و مصر و يعتبر أول من كتب في التاريخ السياسي.

المصادر التاريخية و الأدبية للحضارة الرومانية: 

خلفت لنا الحضارة الرومانية مصادر مادية متنوعة (الإنتاج الحضاري) محفوظا في المتاحف  العالمية و في المواقع الأثرية بالإضافة إلى ذلك أنجبت بعض المؤرخين الذين قدموا للتاريخ كتابات قيمة و من أشهرهم: 

سالوستي: هو من بين المؤرخين الذين دونوا كتاباتهم (86 ق.م – 34 ق.م) باللغة الرومانية و الخط الروماني،  ودوّن المظاهر التاريخية السياسية خاصة التي عاصرها و أبرزها الحروب التي خاضتها الامبراطورية الرومانية لذلك صنفت هذه الكتابات ضمن ما يعرف بالمجلات العسكرية و كانت أقرب للواقع و دقيقة.

"ليفي": (59 ق.م – 17 م): يعتبر من الجغرافيين أرخ لأحداث العهدين الجمهوري و الامبراطوري.

طاسيطوس: من أهم مشاهير المؤرخين الرومان تميزت كتاباته باستعماله الأسلوب اللغوي البليغ و كانت أقرب من الواقع و اعتمد على منهج الحوليات في تدوينه للتاريخ.

حضارة بلاد الرافدين: 

-1- الحضارة السومرية و الأكادية: لم يكن سكان بلاد الرافدين من أصل واحد حيث نزل إلى هذه المنطقة الجغرافية العديد من الأجناس البشرية و يبدو أن النزوح من منطقتي الشرق. انحدر إلى ضفاف دجلة الذين تحدثوا بلغة صعبة لم يتمكن اللغويين نسبها إلى أسرة لغوية ، أما من الناحية المرفولوجية فإن الأنسان السومري يمتاز بقامة قصيرة و مدحدحة ووجه مستدير لا تكسوه اللحية و الشوارب و هذه الصفات تميزه عن بقية الشعوب الوافدة.

يتميز الإنسان الأكادي بقامة طويلة تميل إلى الاعتدال و التماسك ووجه مستطيل تكسوه اللحية و الشوارب عكس الإنسان السومري.

نزحت القبائل الأكادية من الشمال الغربي و رجع بعض المؤرخين أن مواطنهم هي سوريا و فلسطين و مصر و منهم من ذهب إلى شمال أفريقيا و يبدو أن هذا الرأي بعيد عن الصواب.

النشأة و النظام: 

عاش سكان بلاد الرافدين الأوائل في مرحلة النظام القبلي حيث لعبت المرأة دورا هاما في الانتاج الحضاري خاصة في الزراعة قبل إكتشاف المحراث فشاركن في الاجتماعات التي يعقدها زعماء العشائر و لم تدم هذه الفطرة طويلا حيث اكتسب الرجل السيادة على أبناءه و زوجته و أصبح السيد يتصرف في أملاك أسرته ففي الألف الثالثة قبل الميلاد أصبح  يشارك في المجالس الشعبية إلاّ الرجال المحاربون و عندما تحولت المجموعات البشرية التي كانت تسودها العلاقات القبلية إلى مجموعات فلاحية تسودها علاقات الجوار فقط فظهر استغلال الانسان للإنسان و على هذ المنطق ظهرت الصراعات بين القبائل فتحولت الأسر إلى عبيد و تلد النساء المستعبدة مع الزمن ذكور و إناث فيزداد عدد العبيد و قد استخدمت جهود العبيد في الأعمال الشاقة منها: "حفر الأقنية و إنشاء المعابد الضخمة و المنشآت الفنية و كذلك مطاحن الحبوب" و تشير أقدم وثيقة سومرية أن طبقة العبيد ظهرت في الألف الثالثة قبل الميلاد. أطلق على العبيد إسم "طالقي" (مطأطئي الرؤوس). إن هذا التحول الذي عرفه المجتمع السومري أدى إلى نشوء السلطة  التي أمنت السيادة لطبقة العبيد رغم بقاء بعض التشكيلات التي تحافظ على التقاليد العرفية السائدة، و لحل المشاكل يستدعى مجلس الشيوخ للإجتماع و يحضره كل قادر على حمل السلاح. 

إن توحيد بلاد الرافدين مر بمرحلتين و لم يكن سريعا أو دفعة واحدة ففي مطلع الألف الثالثة قبل الميلاد نجد عشرات من الدول  (دول المدن) و هي عبارة عن مجموعة من القرى توحدت و شكلت مجموعة من الأحياء تدير نفسها بنفسها و لكل حي في هذه المدينة معبد خاص بهم وعندما تتقوى مدينة من هذه المدن تخضع بقية المدن لسلطتها المركزية و يستحق الحاكم في هذه المدينة أن يلقب ب: "لوغال" لقد كان التنافس شديدا بين مدن بلاد الرافدين  وخاصة بين مدينتي "أور" و "أورك" في الجنوب و مدن "لاجاش" و "كيش" و "ماري" في الشرق، بلغت مدينة "كيش" درجة كبيرة من القوة و في القرن السابع و العشرون قبل الميلاد ثار ضدها حاكم مدينة "أورك" "جيل جانيش" و استطاع أن يحرز نصرا كبيرا عليها ليحقق لمدينته مكانة بارزة في البلاد و في القرن الخامس والعشرون قبل الميلاد  استطاع حاكم مدينة "لاجاش" "إيانا تومي" من السيطرة على القسم الجنوبي من بلاد الرافدين، و بعد سنوات التوحيد سيطر على أراضي المعابد التي يعمل عليها أفراد بسطاء كما أخضع و فرض الضريبة على أصحاب الأراضي البور فأدى إلى استياء السكان فأحدثوا ثورة كان من نتائجها توصل موظف يدعى "راداورو لوجينا" و استطاع إعتلاء الحكم و نصّب ملكا. أقر هذا الحاكم إصلاحات سياسية و اقتصادية و يبدو من خلال نتائجها أن هذه الاصلاحات رماها على عيون العامة تتثل أساسا في بعض التسجيلات لصالح الملاك الصغار، و لم تحدث تغييرا جذريا في النقاب الاجتماعي السائد بالإضافة إلى أن السلطة لم تكن قوية يهابها المجتمع. هذا ما جعل الطبقة الغنية المتكونة أساسا من أصحاب الملكيات الكبيرة  أن تستهتر بالنظام و السلط و الحكم، مما عجل بسقوطها على يد حاكم مدينة "أوما" "لوغان زاغيزي".

لما  ظفر "لوغان زاغيزي" بالحكم أراد الاستيلاء على القسم الشمالي من بلاد الرافدين فتصدت له قبائل سامية أكثر نفيرا و عتادا فعجلت بسقوط حكمه على يد الأكاديين و كان ذلك بعد اجتياحه لمدينة "كيش" فثارعليه في نهاية القرن الرابع و العشرون أمير من أمراء مدينة "كيش" يدعى "سارجون" فوحد بلاد الرافدين تحت رايته و أعلن ميلاد الدولة الأكادية و اتخذ من "آكاد" عاصمة له كان هذا الاتحاد لصالح الطبقة الغنية ملاك الأراضي و العبيد في كلا القسمين حيث أن السلطة المركزية المستبدة هي التي تملك القوة العسكرية و تستطيع توطيد سلطتها و فرض سيطرتها على أفراد المجتمع، ومن ناحية أخرى حدث في هذه الدولة الواسعة تطورات اقتصادية كبيرة منها مشاريع الري التي تنظم فيضان الأنهار الكبرى، و انتشرت في جميع بلاد النهرين مما ساعد على تطور الزراعة و زيادة كبيرة في الإنتاج.

لقد فرض "سارجون" نظاما موحدا للمقاييس و الأوزان مما أدى إلى تقوية النظام الاقتصادي و العلاقات التجارية الداخلية و الخارجية حيث تطلعنا بعض الوثائق التاريخية (نص أثري) عن تصدير لغنم إلى مدينة آكاد و تصدير منتجات الحرير من مدينة لاغاش نحو مدينة آكاد و غيرها من المدن الرافدية و عن تصدير المنسوجات و الحبوب من آكاد إلى مختلف المناطق.

مارس "سارجون" و خلفاءه سياسة خارجية نشيطة فقام بحملات إلى الجبال الغربية لبلاد الرافدين الغنية بالمواد الخام كاحديد و النحاس و الخشب و أخضع مدينة "ماري" على الفرات الأوسط و منها عبر إلى جبال "طوروس"، بلغت الدولة الأكادية ازدهارا كبيرا في عهد الملك "نارام سين" و استطاع في عهده إخضاع بلاد "عِيلام" (إيران حاليا) و كذلك ضد القبائل النوبية في جبال "طوروس"  و "زاغاروس" ووصل إلى هضاب "أرمينيا" أما في الجنوب فقد قام الملوك الأكاديون بحملات عسكرية إلى مدينتي "ماغانا" و "ميلوخا" في شبه الجزيرة العربية، و في نفس الفترة شهدت حياة المجتمع الرافدي تدهورا كبيرا مما أدى إلى تحول العديد من الأسر إلى عبيد، و ما يمكن أن نشير إليه أن الدولة السومرية ثم الأكادية نسجت علاقات وطيدة و طيبة مع الحضارة المصرية الفرعونية و بالتالي أمنت الحدود الجنوبية الغربية و لعل المتاحف السورية و العراقية و المصرية تعبر عن هذا التحالف و العلاقات التجارية المتميزة التي كانت بين هذه الحضارات و ذلك من خلال الإنتاج الحضاري المعروض فيها.

خلقت الثروة هوة كبيرة بين طبقات المجتمع حيث سيطرت الطبقات الغنية على الأراضي الزراعية كما تجرأت على نزع الملكيات الصغيرة من الفلاحين فاضطر هؤلاء للعمل في مزارع المعابد مقابل نصيب من الخبز و على هذا الأساس فإن التقدم الاقتصادي الذي شهدته بلاد الرافدين في هذه الفترة رافقه إغتناء مجموعة قليلة من المجتمع و افتقار السواد (الغالبية) و تطلعنا النقوش الجدارية على مشاهد من بعض الثورات بسبب الجوع الذي تسبب فيه النظام و أدى إلى زعزعة كيانه.

إحتلال الغوثيين لبلاد الرافدين و إحياء الدولة السومرية و الأكادية: 

تعرضت الدولة الأكادية التي دامت ما يقرب عن 120سنة إلى عملية تدمير واسعة  قادها مجموعات بشرية قدمت من الشرق في حدود 2200 ق.م، وقد كانوا قليلي العدد يميلون إلى البداوة و إلى التنظيم القبلي رغم ذلك استطاعوا احتلال بلاد الرافدين  و لكي  يؤمنوا سيطرتهم على البلاد اضطروا إلى عقد إتفاقيات مع بعض المدن فأصبحت مدينة "لاجاش" السومرية مركزا للسلطة و كانت هذه المدينة قد ازدهرت بعد موت "أوركاجينا" و احتلت مرتبة الصدارة في جنوب البلاد في النصف الثاني من القرن 22 ق.م، ومن أشهر حكامها تحت النفوذ الغوثي نجد "غوديا" و تشير النصوص التاريخية أنه كان مولعا بالعمارة خاصة بناء المعابد، فجلب المواد البنائية من خارج البلاد خاصة مادة الخشب. ظلت بعض المدن الرافدية تنتظر الفرصة السانحة للقيام بثورة ضد الحكم الغوثي، ففي سنة 2108 ق.م استطاع حاكم مدينة "أور" و من بعده حاكم مدينة "أورك" طرد الغوثيين من بلاد الرافدين فتوحدت البلاد من جديد بزعامة مدينة "أور" التي حكمت حتى نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد و أطلقت على حكام هذه المدينة إسم ملوك سومر و أكاد و فيما بعد إسم ملوك الجهات الأربعة من الأرض.

قام ملوك "أور" بعدة حملات عسكرية على سوريا و نحو الشرق (بلاد عيلان) و أخضعوا الآشوريين إلى سلطتهم و قد عرفت كذلك مدينة "أور" تطورا كبيرا في الجانب الاقتصادي و الصنعي خاصة بعد إكتشاف مادة البرونز و تحكموا في تقنية تشكيله و استعماله فتحولت غالبية الصناعات السابقة إلى صناعة برونزية، كما شهدت المدينة نسج علاقات تجارية خارجية مع مصر الفرعونية و مدن الحوض الشرقي للمتوسط.

إعداد الطالب : بن لشهب سالم.

لا توجد آراء حول الموضوع :

شاركنا برأيك :

إعلان: