مُحاضرات في الفلسفة [الجُزء الأول]. جامعة مُحمد بوضياف --المسيلة--2016
مفهوم الفلسفة:
تمهيد:
يختلف الإنسان عن باقي الكائنات بفضوله المستمر و بحثه عن الحقيقة و محاولة كشف أسرار هذا الكون و هذا ما دفعه لاستخدام العقل لطرح مجموعة هائلة من الفلسفة بهدف بلوغ الحقيقة و من هنا شرع يتفلسف. فما هو التفلسف و ما الداعي إليه؟
تعريف الفلسفة:
الفلسفة اشتقاقا مقتسبة من كلمة فيلوسوفيا و هي كلمة يونانية تعني محبة الحكمة و أول من لفظ بها هو الفيلسوف اليوناني و الرياضي "فيثاغورس" حيث كان اللفظ الشائع بين اليونانيين هو لفظ الحكيم و لكن "فيثاغورس" صرخ قائلا "أنا لا أقول أنا حكيم لأن الحكمة لله وحده و إنما أقول أنا فيلسوف".
أما في تعريفها الاصطلاحي:
فهي في مفهومها تختلف من فيلسوف إلى فيلسوف فقد عرفها "أرسطو" بقوله: " الفلسفة هي البحث عن الوجود بما هو موجود" و عرفها "ديكارت" بقوله: "الفلسفة هي دراسة الحكمة". و عرفها "الفارابي" و هو من نقل التراث اليوناني إلى المسلمين بقوله: " هي البحث عن السعادة و لو تتبعنا حركة البحث عن الفلسفة فسنغرق في التاريخ المفاهيمي" و قد سُؤِل "كارل ياسبرس" عن مفهوم الفلسفة فأجاب متواضعا: "لا أدري" و هذا يعكس تشعب مفهوم الفلسفة لكن يمكن أن نقول بأن الفلسفة هي تساؤل نقدي ينتصب على المنتوج الثقافي.
مباحث الفلسفة:
-1- مبحث الوجود:
يهتم هذا المبحث في البحث عن أصل الوجود و كل ما يتعلق به و كان طاليس أسطورة اليونان و أول مفكر و فیلسوف على وجه الأرض عندما تساءل عن أصل الوجود طرح سؤاله الشهير "ما أصل الوجود" و بغض النظر عن الإجابة التي قدمها يعتبر سؤاله سؤال جوهري في تاريخ الفلسفة لم يسبق لأحد من قبل أن طرحه، ومن هنا شرع باقي الفلاسفة اليونانيين في البحث عن إجابات لهذه الأسئلة.
-2- مبحث المعرفة:
و يتناول هذا المبحث نظرية المعرفة أي كيف نجهل المعرفة و قد تأسست مذاهب كبرى تتناول نظرية المعرفة منها المذهب المثالي، المذهب العقلي و المذهب الواقعي و غيرها، ولكل مذهب نظرية معرفية خاصة.
-3- مبحث القيم:
و هو يبحث في أصل القيم الأخلاقية و المنطق و قال "سارتر": "سأكون حيث لا أكون" سأحقق مستقبلا أذكر فيه الاندهاش تمر معهم مواقف في الحياة.
منهج الفلسفة:
إن كان منهج العلم هو المنهج التجريبي فإن منهج الفلسفة هو المنهج التأملي لأن قضايا العلم قضايا مادية من حيث قضايا الفلسفة ميتافيزيقية غيبية و النفس و العقل. هذه القضايا لا يمكن بلوغ حقيقتها إلا بالمنهج التأملي. تجدر الإشارة إلى أن النتائج المتباينة تختلف من فيلسوف إلى فيلسوف حيث تمتاز نتائج العلم بالوحدة و الدقة و الشمول و الضبط.
منابع الموقف الفلسفي:
-1- وعي الذات بذاتها:
إن البحث عن الذات و فهمها على أكمل وجه كانت واحدة من منابع الفلسفة فإن انتقلنا إلى "سقراط" فلا شك أننا سنجده سلط الضوء على الذات و بحث في نفس الانسانية و بين علاقتها بالفضيلة و هو المعروف بشعاره: "إعرف نفسك بنفسك". إذ يعتقد "سقراط" أن النفس إذا كانت على حال من الاعتدال فإنها يمكن أن تفهم ذاتها، و فهم الذات منتهاه إلى الفضيلة و الفضيلة تعني سمو الانسان بنفسه و تنزهه عن الشهوات و الملذات أما "ديكارت" فيعتقد أن وعي الذات يكون بالتأمل و يقول في ذلك: "إن النفس قادرة على تأمل ذاتها و الشعور بما يدور داخلها و دفعة واحدة إن أرادت"، و ينقل الوعي بالذات إلى الفلسفة المعاصرة و نخص بالذكر الفلسفة الوجودية مع "سارتر" و "هيدجز" فهؤلاء الفلاسفة تكلموا بإسهاب عن وعي الذات بذاتها و كيفية صنع مصيرها و مستقبلها بإرادتها الخيرة و هكذا يتبين أن المواقف الفلسفية التي تأسست عبر التاريخ لما تتجرد من البحث في الذات فكان البحث فيها بمثابة الالهام الفلسفي.
-2- الدهشة:
الاندهاش و التساؤل هما صفتان يحيطان بالموقف الفلسفي فلا يمكن أن تتأسس فلسفة بعيدة عن الاندهاش و التساؤل فمعظم العلوم و الأفكار الفلسفية ولدت من الدهشة.
يقول "أرسطو" :" الدهشة هي الأم التي أنجبت الفلسفة" فـــ"مندل" عند تأسيسه لعلم الوراثة كان ذلك بفعل اندهاشه لوجود زهرة بنفسجية بين الأزهار البيضاء النبتة البازلاء فاستغرب لتغير لونها فاكتشف الطفرة الوراثية، ومن ثم أسس علم الوراثة و نفس الشيء يُقال عن "نيوتن" إذ أنه أسس قانون الجاذبية باندهاشه لعدم صعود الأجسام إلى الأعلى و نزولها إلى الأسفل و هكذا يعلمنا تاريخ الفلسفة مرة أخرى أن كل موقف فلسفي و إبداع علمي يكون مصاحبا | بالاندهاش.
-3- الشك:
الفيلسوف لا يقبل الحقيقة المعطاة إليه مباشرة إنما يمحصها و يتحقق منها باستخدام المنهج الشكلي و المنهج الشكلي ارتبط ب: "الغزالي أبو حامد" فهو صاحب المنهج الشكلي و هذا ما يظهر في قوله :" من لم يشك لم ينظر ، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى في الظلام و العمى" و انتقل المنهج الشكلي إلى فلاسفة الغرب خاصة مع "ديكارت" و "فرانسيس بيكون"، إذ يقول "فرانسيس بيكون": " ننطلق من الشك فنصل إلى اليقين و ننطلق من اليقين فنصل إلى الشك" و هذا ما نلمسه أيضا عند "ديكارت" الذي شكك في كل المعارف و المعتقدات السائدة في عصره و مجتمعه و هذا ما جعله يغير منظومة المعرفة و القيم في أوربا و هذا ما يظهر في قول "ديكارت": " إني أشك في كل شيء إلا في شيء واحد هو أنني لا أشك" و في هذا دلالة واضحة على أن الشك هو صفة الفلاسفة و منهجهم في الكشف عن الحقيقة و الوصول إليها.
تاريخ الفلسفة كمنبع في الفلسفة:
يعود الإنسان إلى تاريخ الفكر لكي يأسس منظومة معفية معبئة بحكم و تجارب الفلاسفة و العظماء و القادة و حتى الأنباء، لتكون هذه المعارف و المواقف زادا يساعد في التكيف مع المواقف الراهنة و إيجاد الحلول المناسبة لها، فتكون هذه الحركة أحد منابع الفلسفة لأن سلوكه لن يكون سلوكا اعتباطيا عشوائيا و إنما سلوك مؤسس تأسيسا فلسفيا حقيقيا فتتحول أفعال الإنسان المشبع بالثقافة الفلسفية إلى حكم يعتد بها.
وعي الإنسان بالذات:
يشتغل الإنسان بذاته و نفسه في محاولة لفهم هذه الذات فلا يجد غير التأمل الفلسفي لفهم هذه الذات فلا يمكن للإنسان أن يفهم واقعه أو تاريخه بعيدا عن فهم ذاته لذا اشتغل بالفلسفة منذ نشأتها بالبحث عن النفس و الذات كما اهتمت باليات فهم هذه الذات و من هنا يمكن القول إجمالا أن المتفلسف يهتم اهتماما كبيرا بوعي ذاته و فهمها.
يعتقد الكثيرون أن الفيلسوف لا يستقي مشكلاته إلا من مصادر ذاتية و لا يتطرق إلى موضوعات ميتافيزيقية تستعصي على الباحث و تتعالى عن الواقع غير أن هذه النظرة بعيدة تماما عن الحقيقة، ذلك أن مشكلات الواقع المعيش يمكنها أن تكون مصدر للتأملات الفلسفية لأن الفيلسوف ابن زمانه و مكانه و اختلف عن باقي الناس في حسه الفلسفي النقدي، ويقول المفكر الألماني "نيتشه": " توجد المشكلات الكبرى في الشارع" و يقول الفيلسوف الأمريكي "جون ديوي": "إن مشكلات الفلسفة تنشأ نتيجة احساس عام و عميق بأن هناك صعوبات و مشاكل في الحياة الاجتماعية".
أهداف الفلسفة:
سعت الفلسفة منذ ظهورها في بلاد اليونان إلى فهم الكون و العالم و الحياة و إدراك الحقيقة وقد أشار إلى ذلك فيلسوف لعرب الأول "أبو إسحاق الكِندي" عندما أكد في كتابه للمعتصم بالله أن أعلى الصناعات الإنسانية منزلة و أشرفها مرتبة صناعة الفلسفة التي حدها علم الأشياء بحقائقها، يقبل طاقة الإنسان لأن غرض الفيلسوف في علمه إصابة الحق و في عمله "العمل بالحق".
و يمكن تحديد جملة من الأهداف العامة للفلسفة و التي تتمثل في السعي إلى فهم طبيعة الأشياء و الظواهر و العلاقة بينهما و هو ما يبحث فيه مبحث الأنطولوجيا (علم الوجود) الذي يهدف إلى بناء النظرية الأنطولوجية و تشكل الحياة الاجتماعية جزءا منه.
السعي إلى دراسة طرق التفكير و الأدوات التي يستخدمها الانسان في المعرفة و حدود معرفته و طبيعتها و هو مجال مبحث المعرفة.
السعي إلى دراسة مشكلة السلوك و الذوق الفني و الجمالي و ذلك من خلال معالجة القيم الأخلاقية و الجمالية من خلال مبحث القيم.
تمد الفلسفة العلوم المختلفة بالأسس التي تقوم عليها و تناقش النتائج التي تنتهي إليها مثلما هو الحال في مختلف العلوم الطبيعية و الإنسانية.
وفقكم الله.
إعداد الطالب: بن لشهب سالم.
لا توجد آراء حول الموضوع :
شاركنا برأيك :
إرسال تعليق