أجدد المواضيع:

درس في المُشكلة و الإشكالية للسنة الثانية ثانوي  [آداب و فلسفة- الدرس الأول]

المُشكلة و الإشكالية

إن الأشياء التي تهم الفيلسوف هي المسائل الإنسانية الشاملة التي يعيشها الفرد في حياته اليومية، أي المسائل الشخصية التي يعيشها و يعانيها كل شخص.

لعل الكثيرين منا قد تسائلوا في يوم من الأيام، عن سبب موت أحد أقربائهم، أو رفع يديه لله عزّ وجلّ سائلا إياه "لماذا يا الله أخذت من أحب؟"، أو هل سنلتقي بعد أن نموت جميعا؟ (لكن كمُسلمين علينا أن نُؤمن بقضاء الله و قدره، وأن الموت حق، والآخرة حق).

بينما إذا نظرت إلى هذه التساؤلات من منظور آخر فاعلم أنك كنت تحوم حول حُمَّى الفلسفة، واعلم أنك عند طرحك لمثل هذه الأسئلة إنما كنت تطرح أسئلة فلسفية من حيث لا تدري. إلا أن هذا لا يعني أنك تفلسفت، لأن التفلسُف هو أن تُفكر بطريقة فلسفية.

السُؤال: ماذا يعني أن تُفكر بطريقة فلسفية؟

لأن الإنسان كائن عاقل، تجده دائما ينفر من الغُموض والالتباس و يسعى للوضوح والظهور، أي الأشياء التي ليس فيها لُبس ولا تعقيد.

مثال ذلك: "السماء فوقنا" فهذه العبارة عبارة واضحة لا لُبس واختلاط فيها، و ذلك لأن السماء فوقنا وليست تحتنا. في هذه الحالة التقى لدينا كلٌ من اللغة و الإحساس و المألوف على أمر واحد، هذه الحقيقة نتلقاها بالقبول فهي حقيقة بديهية، وكل ما يُعارض هذه الحقيقة، يُعتبر لدينا أمرًا يلُفُه الالتباس و الغُموض.

لكن قد تجد البعض من يُفكر خارج المألوف لمُساءلة المألوف، فتجده يتسائل عن إمكانية وجود السماء تحتنا أو عن أيماننا أو شمائلنا، وهذا ما تفعله الفلسفة كتأملٍ نقدي، و هو نهجٌ سلكه "سُقراط" والفلاسفة من بعده.

تأمل الشّكل التّالي:

سماء

في هذا الشكل نرى بأن الأرض قد قُسمت إلى أربعة أقسام افتراضية، وكل شخص موجود على قسم من الأقسام يرى بأن السماء فوقه.

كلٌ من الأشخاص A-B-C-D لديه وُجهة نظر عن مكان تواجد السماء. تخيل بأنك الشخص A، لذلك فالتجربة الحسية، واللغة و المألوف جميعها تشير إلى أن السماء فوقك، إلا أن هذا لا يجعلك على دراية بسماوات الأشخاص الآخرين. كل ما تبقى لك هو أن تتأمل تأمُلاً عقليًا لإدراك ذلك، لهذا ستُدرك أن سماء الشخص B على يسارك، وأن سماء الشخص C أسفل منك، وأن سماء الشخص D على يمينك. ينطبق الأمر على جميع الأشخاص الموجودين في الرسم إذا ما نظرنا إلى موقع السماء من منظور كل شخص.

لهذا فالقول أن السماء فوقنا أمرٌ نسبي وليس بديهي، إن وُجد هذا التفكير لديك فاعلم أنك بدأت تُفكر بطريقة فلسفية.

الخطوة الأولى على طريق الفلسفة هي طرح المُشكلات، وذلك من خلال مُسائلة المألوف وما تلقيتَه من المُجتمع، أي أن تكشف الغموض خلف الوُضوح المزعوم. هذه هي الخُطوة الأولى و تتمثل في طرح المُشكلات.

السؤال و المُشكلة:

أ- السُؤال:

يقول أبو هلال العسكري: "الفرق بين السُؤال والاستفهام؛ أن الاستفهام لا يكون إلاّ لِما يجهله المُستفهِم أو يشُكُ فيه وذلك أن المُستفهِم طالبٌ لأن يفهم، و يجُوز أن يكون السائِلُ يسألُ عمَّا يعلم، وعن ما لا يعلم،..." وهذا يدُل على أن الاستفهام أضيق من السؤال.

هُناك نوعان من أدوات "الاستفهام / السُؤال:

النوع الأول: وهو الاستفهام حول معنى اللفظ المُفرد، كأن تقول: ما الفلسفة؟ وهنا أنت تسال عن معنى مُصطلح الفلسفة، والإجابة تكون على حسب فهم الساءل فإن كان الجواب على سبيل المثال هو أن: الفلسفة تفكير، ولم يفهم الساءل أي نوع من التفكير هي الفلسفة، تكون الرغبة لديه كبيرة في معرفة أي نوع من التفكير هي الفلسفة، لذلك نجده يطرح السُؤال: أي تفكير هي الفلسفة؟ لذلك فهو يطلب توضيحًا أعمق للمعنى. من أدوات هذا النوع من الأسئلة: [ما، ماذا]

النوع الثاني: وهو طلب المعنى للفظ المُركب، أي إثبات وجود علاقة بين الألفاظ أو نفيها، مثل قولنا: هل للفلسفة دور في زمن العلم؟ ومن أدوات هذا النوع من الأسئلة: [هل، كيف، لماذا].

ب- تصنيف الأسئلة:

لاحظ الأسئلة التالية:

- قال الله تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} صدق الله العظيم.

- يمرُ أستاذ بتلميذين يتشاجرا ففصل بينهما ثم قال لأحد الطلبة (جلال): "أيصدُر عنك هذا يا جلال؟!

- في تعارف الأشخاص ببعضهم البعض يتم طرح السؤال التالي: ما اسمك؟ يجيب: "جلال" وأنت ما اسمك؟ يُجيب: "محمد".

- يقول أفلاطون: "كل ما يقوله سُقراط صادق"، ويقول سُقراط: "كل ما يقوله أفلاطون غير صادق" فإذا كان قولُ كل واحدٍ منهما يتعارض مع قول الآخر بحيث يستحيل أن يكون كلاهما على حق، فأيُهما صادق؟

في الأمثلة السابقة جاءت الجُمل إما على صيغة سُؤال، أو أنها انتهت بسُؤال. إذًا هل يفيد معناها السؤال؟ وإذا كانت عكس ذلك (مع أنها في الظاهر تدلُ على أنها أسئلة)، كيف يمكننا التمييز بينها؟

أولا في الآية الكريمة: سُليمان بعد أن مد بصره ولم يرى الهدهد لم يجده من الحاضرين، أراد أن يتأكد وطلب التَثبُتَ ليعرف ولا يظلم الهدهد في اتهامه بالغياب عن المجلس.

في مثال تعارف الأشخاص يسأل كل من جلال و محمد عن أسماء بعضهما، وكذلك بالنسبة للجملة الرابعة، فهي تنتهي بسؤال عن أي الرجلين كان صادقًا.

أما في الجملة الثانية وإن كانت تتضمن صيغة السُؤال، فإن الأستاذ كان يستنكر على جلال تصرفه، لأن جلال كان معروفا بأدبه واحترامه للآخرين.

ومن هنا نجد أنه ليست كل صيغة سُؤال تفيد الاستفهام، بل بعضُها يُفيد التوبيخ أو الحث والتحفيز...، بالتالي فهو جواب أكثر منه سُؤال.

أ- الأسئلة المألوفة: هي الأسئلة التي تُعرض وتُطرح علينا بشكل مُستمر في حياتنا اليومية، والجواب عنها لا يحتاج إلى تفكير ولا تأمل، كأن تُجيب عن من يسأل عن اسمك، فالإجابة هنا لا تستدعي التفكير و التأمل.

ب- أسئلة المُكتسبات: هي الأسئلة التي تستدعي إجابة من شخص خاض تدريبًا أو دراسة في مجال السُؤال، والذي يعود إلى المقاييس العلمية التي اكتسبها في الدروس ليتمكن من الإجابة. فلا يُعقل أن تسأل ميكانيكيًا أسئلة حول دواءٍ مُعين وتنتظر منه الإجابة الصحيحة. كما أن هناك الأسئلة الانفعالية والتي تكون فيها مُجبرًا على الاطلاع على العديد من المجالات التي تُمكنك من الإجابة على هذا النوع من الأسئلة، وأسئلة الوضعيات العملية حيث يتحتم على صاحبها أن يخوض تجربة في بعض الحالات تكون حرجة لكونه يعيشُها هو، مثال ذلك عندما ينسى التلميذ كتابه في المنزل، تجول في خاطره عدة تساؤلات حول ما إذا كان بإمكانه اقتناء كتاب من عند أحد زملائه، وما هي ردة فعل الأستاذ عندما يعلم أن التلميذ قد نسيَ كتابه...الخ.

بالنسبة للسُؤال في الجملة الرابعة، للإجابة على السُؤال المطروح آخرها، يجب أن يكون لديك معرفة منطقية وتعمقًا في القياس و التقابل، وإِعمال الفكر و الذكاء من أجل الوصول إلى الجواب، ذلك لأنه أشد الأسئلة تعقيدًا.

المصدر: كتاب الفلسفة للديوان الوطني للتعليم و التكوين عن بعد.

قراءة الدرس الثاني

لا توجد آراء حول الموضوع :

شاركنا برأيك :

إعلان: